حين تصنع الدماء مجد الأوطان
في قلب حمص، حيث ترعرعت البطولة ونمت جذور العزة، هناك حيٌ نقش اسمه بمداد الدم، وكتب تاريخه بأرواح أبنائه الطاهرة.. إنه بابا عمرو، موطن الأبطال، ومهد الثوار، وأيقونة الثورة السورية. لم يكن الحي مجرد بقعة جغرافية على خارطة حمص، بل كان ميدانًا للمقاومة، وحاضنة لرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فكانوا أول من رفع راية الحرية، وأول من روّى تراب الوطن بدمه الطاهر.
الشهداء.. منارات الحرية التي لا تنطفئ
لم يكن شهداء بابا عمرو أرقامًا في قائمة أو أسماءً تُنطق فحسب، بل كانوا حكايات حية، حملت معنى الفداء والتضحية، فكل واحد منهم كان شعلةً أضاءت درب الثورة، وكل روح أزهقت كانت شاهدًا على وحشية النظام المجرم الذي لم يترك وسيلة إلا واستخدمها لكسر إرادة الأحرار، لكنه فشل، لأن دماء الشهداء صنعت من بابا عمرو أسطورة لن تموت.
لقد ضربوا أروع الأمثلة في الصبر والصمود، قاتلوا بقلوب مؤمنة، وقفوا في وجه الرصاص والقذائف بصدور عارية، لم يرهبهم الحصار، ولم يثنهم الجوع، كانوا يعلمون أن طريق الحرية ليس مفروشًا بالورود، لكنه معبّدٌ بدماء الأبطال، فاختاروا أن يكونوا شموعًا تحترق ليضيء نورها درب الأجيال القادمة.
ملحمة التضحية في وجه الإبادة
في شتاء 2012، حين أحكم الطاغية حصاره على الحي، بدأ يسطر إحدى أبشع جرائمه، قصفٌ متواصل، دمارٌ لا يتوقف، اجتياح همجي، لكنه لم ينجح في كسر روح أهله، بل زادهم إصرارًا على الصمود. سقط مئات الشهداء، رجالًا ونساءً وأطفالًا، لكن الأرض لم تبتلع صرخاتهم، بل حفظتها، لتكون دليلًا على أن الكرامة لها ثمن، وأن الحرية تحتاج إلى من يدفع مهرها بالدم.
لماذا انتصروا؟
قد يعتقد البعض أن الشهداء خسروا حياتهم، لكن الحقيقة أنهم انتصروا، لأنهم كتبوا التاريخ بدمائهم، لأنهم سطّروا ببطولاتهم صفحة جديدة في كتاب الحرية، لأنهم أرغموا العالم على رؤية الحقيقة، رغم تواطئه وصمته.
واليوم، بعد أن انتصرت الثورة، وبعد أن سقط الطاغية وهرب إلى منفاه، عاد بابا عمرو ليحمل راية النصر فوق جراحه، عاد ليبني من جديد، لكن بدماء من رحلوا، عاد ليكون شاهدًا على أن الحرية تولد من رحم التضحيات، وأن الأمم لا تنهض إلا بدماء أبنائها الشجعان.
عهد الأحرار لشهدائهم
يا شهداء بابا عمرو، يا من حملتم أرواحكم على أكفكم، ومضيتم في طريق النور، اعلموا أن تضحياتكم لم تذهب سدى، وأن دماءكم لم تجف، بل أصبحت سيلًا جارفًا أغرق الطغاة، ووهب الحياة للأحرار.
لن ننساكم.. لن نخذلكم.. سنحمل وصاياكم حتى النهاية، وسنبني سوريا التي حلمتم بها، سوريا الحرية والكرامة، سوريا التي لن يحكمها السفاحون بعد اليوم.
المجد والخلود للشهداء.. والنصر للثورة.. والحرية لسوريا الأبية!