تُعد الكفاءة من الركائز الأساسية لنجاح الأفراد في مناصبهم الوظيفية، مما ينعكس مباشرةً على أداء المؤسسات الحكومية، وبالتالي على نجاح الدولة نفسها، خصوصًا في سوريا الوليدة. فالموظف في القطاع الحكومي لا يمثل نفسه فقط، بل هو جزء من منظومة تسعى لتحقيق الاستقرار والتنمية.
لكن الكفاءة وحدها لا تكفي، إذ قد يحقق الشخص الكفؤ إنجازات آنية وسريعة، إلا أن افتقاره للولاء المؤسسي قد يؤدي على المدى الطويل إلى عدم استقرار المؤسسة وانعدام التماسك داخلها. وهنا يبرز التساؤل: كيف نوازن بين الكفاءة والولاء لضمان بناء مؤسسات قوية ومستدامة؟
الكفاءة والولاء: علاقة تكاملية وليست تنافسية
الولاء، لا سيما في الوظائف الحكومية، لا يعني الانقياد الأعمى، بل يشير إلى الالتزام بقيم المؤسسة وأهدافها الوطنية. فعندما يقترن الولاء بالكفاءة، يتحقق التوازن المؤسسي، مما يعزز الاستقرار الوظيفي، ويقلل من الفساد، ويدعم النزاهة والشفافية.
في المقابل، عندما يُعتمد الولاء وحده معيارًا للتوظيف دون النظر إلى الكفاءة، فإن ذلك يؤدي إلى تعيين غير المؤهلين في مواقع حساسة، مما يضعف أداء المؤسسات ويقوض ثقة المواطنين بها. وقد كان هذا أحد الأسباب الجوهرية لتفشي الفساد في العقود الماضية، حيث كانت المحسوبية والولاءات الطائفية والحزبية تطغى على معايير الجدارة والاستحقاق، مما أدى إلى انهيار المؤسسات وفقدان فعاليتها.
دروس من الماضي لبناء المستقبل
لقد أدى غياب الكفاءة في النظام السابق، إلى جانب الاعتماد على الولاء الأعمى، إلى تفشي الفساد وتآكل مؤسسات الدولة، حيث أصبحت الرشوة والمحسوبية والاستقطاب الطائفي جزءًا من ثقافة العمل الحكومي. وكانت النتيجة بيئة غير صالحة لتحقيق تنمية حقيقية أو بناء دولة موحدة ومستقرة.
اليوم، ومع بدء مرحلة جديدة، يجب أن نستخلص الدروس والعبر من أخطاء الماضي، ونؤسس نموذجًا إداريًا متوازنًا يضمن:
- توظيف الكفاءات القادرة على الإنجاز والتطوير.
- غرس الولاء الوطني والمؤسسي القائم على القيم والمبادئ، وليس على المصالح الشخصية أو الطائفية.
- تعزيز الشفافية والمحاسبة لضمان عدم استغلال الولاء كغطاء للفساد.
لا يمكن تحقيق نجاح مؤسسي مستدام إلا عندما تتكامل الكفاءة والولاء، بحيث يصبح الولاء للمؤسسة وللوطن حافزًا للإنجاز، وليس بديلًا عن الكفاءة. ومن هنا، ينبغي أن يؤخذ هذا المبدأ بعين الاعتبار، من أصغر اللجان المحلية إلى أعلى المستويات الحكومية، لضمان بناء دولة قوية، عادلة، وفعالة.