في قلب مدينة حمص، حيث تمتزج العراقة بالتاريخ، وحيث تمتد الجذور عميقة في تراب الحرية، سطر حي بابا عمرو أروع ملاحم البطولة والمقاومة في وجه الطغيان. كان هذا الحي منذ اللحظة الأولى شعلة الثورة السورية، وقلبها النابض الذي واجه أعتى جرائم النظام الأسدي ببطولة أسطورية ستبقى محفورة في ذاكرة الأجيال.
لقد حاول نظام الإجرام وأذرعه الطائفية محو هذا الحي من الخريطة، لكنه لم يدرك أن الأرض لا تنسى رجالها، وأن الدماء الطاهرة التي سالت على ثراها ستظل تروي شجرة الحرية حتى تؤتي أكلها. واليوم، بعد انتصار الثورة السورية وهروب الطاغية إلى روسيا، يعود بابا عمرو رمزًا للحرية، وحاضنة لأرواح شهدائه، شاهدًا على صمود أهله الذين لم يستسلموا رغم كل صنوف الإبادة والحصار.
ملحمة الصمود.. حين انتصر الدم على السيف
كان حي بابا عمرو من أوائل أحياء سوريا التي نادت بشعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، وأول من رفع راية الثورة رغم كل آلة القمع والتنكيل. وعندما بدأ النظام حملته الوحشية، لم يكن لأهل الحي سوى خيارين: الركوع للطاغية أو المقاومة حتى آخر رمق. فاختاروا الخيار الأصعب، ولكن الأشرف.
في عام 2012، تعرض بابا عمرو لقصف همجي لم يعرف له التاريخ مثيلًا. آلاف القذائف والصواريخ كانت تمطر الحي يوميًا، محاولات اقتحام متكررة بجيش جرار مليء بالحقد الطائفي، لكن رغم ذلك، صمد ثواره وأهله، وقاوموا بأسلحتهم البسيطة حتى آخر طلقة. وعندما سقط الحي عسكريًا، لم يسقط في ذاكرة السوريين، بل أصبح أيقونة الثورة، ودرسًا خالدًا بأن الشعوب الحرة لا تهزم.
العودة إلى بابا عمرو.. بداية عهد جديد
واليوم، وبعد أن تحررت سوريا من قبضة السفاح، يعود بابا عمرو مجددًا إلى الخارطة، لكن هذه المرة ليس كحي منكوب، بل كرمز من رموز الانتصار. شوارعه التي كانت شاهدة على القصف والمجازر، تعود لتنبض بالحياة، ومدارسه التي هُدمت تُبنى من جديد، وأحياؤه التي دُمرت تُعمر بسواعد الأحرار.
بابا عمرو اليوم هو مزار للأحرار من كل سوريا، يأتون إليه ليرفعوا راية النصر فوق ترابه، ويقرأوا الفاتحة على أرواح الشهداء الذين صنعوا هذا المجد بدمائهم. إنه المكان الذي يُثبت للعالم أن الثورة لم تكن مجرد لحظة غضب، بل كانت مسيرة كرامة لا تُكسر، وأن الحرية مهما تأخرت، فإنها تأتي في النهاية، ولو بعد حين.
بابا عمرو.. أرض البطولة التي لا تموت
لن يكون بابا عمرو مجرد حي في مدينة حمص بعد اليوم، بل هو جزء من ذاكرة الأمة، ومصدر إلهام لكل الأحرار. إنه قصة الكرامة التي لا تموت، والبوصلة التي ستظل تشير إلى أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع انتزاعًا من مخالب الطغاة.
ستظل جدرانه تروي حكايات البطولة، وسيوثق ترابه كل خطوة سارت عليه من أقدام الثوار، وسيبقى حي بابا عمرو، كما كان دائمًا، قلعة للصمود ورايةً لا تنكسر.
المجد للشهداء.. والنصر للثورة.. والحرية لسوريا الأبية!




