هنا، نوثق تاريخنا، نرعى حاضرنا، ونبني مستقبلنا
إطلاق تجريبي (بعض الأقسام غير مكتملة)

مجزرة آل صبوح في بساتين باباعمرو

أقسام المقالة

حمص، سوريا – في الثالث من فبراير/شباط 2012، تحولت مدينة حمص السورية إلى ساحة حرب مفتوحة، حين بدأت قوات النظام السوري اقتحام حي بابا عمرو. لم يكن هذا الاقتحام مجرد عملية عسكرية، بل كان نقطة تحول مروعة في تعامل النظام مع الثورة، حيث استخدمت قواته للمرة الأولى راجمات الصواريخ في قصف الأحياء السكنية.

بابا عمرو، الحي الذي كان ينبض بالحياة، أصبح تحت الحصار الخانق. قوات النظام، بتشكيلاتها المتعددة من الفرقة 17 والحرس الجمهوري والفرقة الرابعة، بالإضافة إلى الميليشيات الشيعية والشبيحة الموالين، طوقت الحي، وركزت الاقتحام من نقطتين، بينما حاصرت باقي المداخل، ونشرت القناصات في السكن الجامعي ومبنى جامعة البعث المطلة على حي باباعمرو.

27 يومًا من الصمود والدمار

استمرت المعركة 27 يومًا، صمد خلالها الجيش الحر في وجه آلة النظام العسكرية الجبارة. لكن الصمود لم يكن كافيًا أمام القصف الصاروخي العشوائي الذي انهال على الحي. مئات الصواريخ استهدفت المباني السكنية بشكل مباشر وعشوائي، وحصدت أرواح العشرات من المدنيين الأبرياء، أطفالًا ونساءً، الذين دفعوا ثمن إصرار النظام على دخول الحي متبعًا سياسة الأرض المحروقة.

مجزرة بساتين بابا عمرو: دماء بريئة 

في السابع والعشرين من فبراير/شباط 2012، وقعت مجزرة مروعة في بساتين بابا عمرو، لطخت أرضها بدماء 13 شخصًا، أُعدموا ميدانيًا بدم بارد. شهود عيان يروون كيف دخل الشبيحة، برفقة قوات النظام وعناصر إيرانية، من قرى المزرعة وشلوح، عبر جسر البواري فوق نهر العاصي.

من تفاصيل المجزرة الأليمة

في يوم دامٍ من أيام الصراع، اجتاحت مجموعات مسلحة أحد الأحياء السكنية، حيث اقتحم عناصرها المنازل واحدًا تلو الآخر. لم يكن في تلك البيوت سوى مدنيين، عائلات آمنة تحتمي داخل جدرانها، غير مدركة أن الموت يزحف نحوها.

عند أحد الأبواب، طُرِق الباب بعنف، ففتح أحد أفراد الأسرة ليفاجأ بعدد من المسلحين يقتحمون المكان دون مقدمات. أُجبِرت العائلة على التجمّع في إحدى الغرف، بينما بدأ المسلحون بتفتيش المنزل، لم يكونوا يبحثون عن شيء محدد، بل كانوا ينفّذون أوامر بالقتل.

تم اصطفاف الرجال والشباب على أحد الجدران، أُخِذت هوياتهم، ثم جاء الأمر عبر اللاسلكي: “تصرّف معهم”. بلا تردد، أُطلِقت النيران لتسقط الأجساد تباعًا أمام أعين من تبقى من العائلة. هرع البعض محاولين الهرب إلى الغرف الأخرى، لكن الرصاص سبقهم إلى هناك. لم ينجُ أحد.

في منزل آخر، تكرر المشهد ذاته، طرقٌ على الباب، اقتحام، تفتيش، ثم إطلاق نار مباشر على رب الأسرة أمام أفراد عائلته. لم تكن هناك فرصة للنجاة، ولم يكن هناك أي تبرير سوى وحشية بلا حدود.

خلال أقل من ساعة، تحوّل الحي إلى ساحة قتل، بينما كان من تبقى من الأهالي يسمعون أصوات الرصاص تتلاشى تدريجيًا، ليحل صمت ثقيل حمل معه رائحة الموت، وذكريات لا يمكن محوها من ذاكرة من نجا.

عمر صبوح، أحد قادة المجموعات في بابا عمرو، يصف اللحظات المرعبة:

“في تمام الساعة 12 ظهرًا، كنت متواجدًا في منزل ابن عمي حسان صبوح، الذي يبعد عن مكان المجزرة 300 متر. تفاجأنا بدخول حوالي 30 شخصًا يرتدون اللباس الأسود الكامل، يتقدمون باتجاه المنازل في بساتين بابا عمرو. عرفنا منهم شخصًا يدعى علاء شناق. كانوا يرصدوننا أيضًا. وأثناء خروجنا من المنزل، تم إطلاق النار علينا بشكل مباشر أنا وحسان، لكننا تمكنا من الخروج بسلام.

توجهنا مباشرة إلى أقرب نقطة للجيش الحر، وتم إبلاغهم بالأمر، ومن ثم توجهنا مباشرة إلى المكان واشتبكنا معهم. فقام الشبيحة باستخدام أحد المدنيين يدعى عبد الكريم صبوح كدرع بشري، احتموا به ثم ركبوا سيارته وأجبروه على نقلهم باتجاه جسر البواري.

عندما توجهنا إلى المنازل، تفاجأنا بحدوث مجزرة. وجدنا 13 جثة، معظمهم من أقربائي، في حين وجدنا النساء على قيد الحياة، لكن بعضهنّ تعرضت للضرب والإهانة.”

أسماء لن ينساها التاريخ

ضحايا المجزرة، أسماء محفورة في ذاكرة بابا عمرو، وفي ذاكرة كل سوري حر:

  1. عبد الناصر صبوح
  2. عبد الباسط صبوح
  3. عبد الرحمن صبوح
  4. عبد الحميد صبوح
  5. عبد الحليم صبوح
  6. عبد المعين دعبول
  7. عبد السلام كجوك
  8. عبد الرحمن جنيد
  9. عامر صبوح
  10. عبد الرحمن جنيد خطاب
  11. عبد الرحيم جنيد خطاب
  12. بري عزو فردوس العكيدي
  13. عزو فردوس العكيدي ابن بري

نُقلت الجثث إلى حي جوبر، ودُفنت بجانب منازل بيت كنيار، في مشهد يجسد الفاجعة الإنسانية التي حلت بالحي.

محاولة طمس الحقيقة

بعد انسحاب الجيش الحر من بابا عمرو، ودخول جيش الأسد، قام عناصر جيش النظام بسحب الجثث ونقلها إلى منطقة كفرعايا، وبثوا الصور على التلفزيون السوري الرسمي على أن الإرهابيين هم من ارتكبوا هذه المجزرة، في محاولة يائسة لطمس الحقيقة وتشويه صورة الثورة.

بابا عمرو، رمز الصمود والألم

بابا عمرو، اليوم، ليس مجرد حي في مدينة حمص، بل هو رمز للصمود والتضحية والألم الذي عاناه الشعب السوري. هو شاهد على وحشية النظام، وعلى إصرار السوريين على الحرية والكرامة. دماء شهداء بابا عمرو لن تذهب هدرًا، وذكراهم ستظل حية في قلوب كل من ينشد العدالة والسلام لسوريا.

نقطة دخول الشبيحة وجيش الأسد إلى منطقة تنفيذ المجزرة

المنازل التي حصلت فيها المجزرة (لاحقًا قامت شبيحة النظام بسرقة العفش والأبواب والشبابيك منها):

هنا، حيث امتزجت الدماء بالتراب، وحيث سُطّرت أعظم ملاحم الكرامة، يبقى بابا عمرو رمزًا للثورة، وموطنًا للأحرار. موقعنا هذا توثيقٌ لتضحيات أهلنا، ووفاءٌ لشهدائنا الذين خطّوا بدمائهم درب الحرية.

فكرة، برمجة وتصميم: م.مصعب كاخي - جميع الحقوق محفوظة 2025©

فكرة، برمجة وتصميم: م.مصعب كاخي
جميع الحقوق محفوظة 2025©